من الخطأ تصنيف افلام ارض السمر ضمن اطار المنتوج الفني التلفازي لان التصنيف يضيق حينئذ بهذا المشروع الكبير الذي اعاد اكتشاف السودان لاهله قبل غيرهم من امم العالم.
عندما نذكر الملاحم التاريخية العظيمة وما يكسوها من الشرف والافتخار وعندما تقتحم ذاكرتنا المواقف والتحولات المهمة في مسيرة امتنا بكل حضارتها الباذخه وعطاءها الانساني اللا محدود يجبرنا هذا المشروع على ان نحتفي بوجوده في موضع انيق داخل ذاكرة شعبنا يلهم الاجيال وينمي روح الانتماء لوطن بهذه الروعة غزل له شباب المشروع من رحيق ابداعهم علماً نسجت الوانه لتتداخل في توافق بين الانسان والحضارة والجغرافيا ليرفع على سارية سفينة عظيمة تمخر عباب النيل الفياض تتمايل في عزة وكبرياء.
حظيت افلام ارض السمر التي بثت في اربع قنوات بمتابعة قد لا تدركها بعض الاقلام التي ما زالت تظن اثماً ان المشاهدة محصوره بين الكمنجة وصورة المذيعة الفاتنة غير ان الواقع يمضي الى اتجاه غير ذلك فقد مل جمهور عريض هذا التكرار واقبل على الدراما والاعمال الوثائقية ينال منها الفائدة والمتعه، وقد فات ايضا على هؤلاء ان المشاهدة عن طريق الوسائط الجديدة اتاحت معرفة عدد المتابعين والمعجبين وعدد من قاموا بنقل الفيديو فلا مجال هنا لاقوال على شاكلة ( متابعة كبيرة لبرنامج فلانه ، وبرنامج استاذ فلان نال اعلى نسبة ، والجمهور يتابع حوار علان) وغير ذلك من جمل المدح والثناء التي يدخل معظمها من باب العلاقات العامة ولحسن الحظ يخرج من الباب الاخر للمشاهد العاقل .
بهذا المعطى وبما فيه من موضوعية وعلمية حققت افلام ارض السمر نسب مشاهدة في زيادة تسجلها عدادات تطبيقات المشاهدة وبذلك نكون امام دليل عملي وواقعي ان الفلم الوثائقي كاسلوب فني قادر على جذب المشاهد حتى في الموسم الرمضاني الذي مارس بعضهم تضليلا متعمداً ان لا نجاح فيه الا بالمنوعات والدراما الرخيصة مجاراة لاعلام دولة نسمع انها شقيقة ولا نرى منها الا شقاءً نراها وقد انحدرت قيمها في كل موسم رمضاني نحو الاسفل بسرعة الضوء وصارت مضرب المثل في التعدى على حرمة الشهر الفضيل ،وفي بلادنا من يمارس هذا التقليد الاعمي ويفارق نموذجنا الاعلامي بقيم سوداننا الجميل وعاداته بل حتى الفانوس سرقوه منهم ليضيء ظلمة شاشاتهم الكالحة اي بؤس هذا؟
رعاية شركة (زين) لسلسلة ارض السمر ياتي اتساقا من مفهومها الشامل والواعي للمسؤولية المجتمعية باعتبار ان ارض السمر لا يمثل فقط عملا فنياً ولكنه مشروع قومي لاعادة اكتشاف السودان وتقديم صورة مشرقة للوطن مغايره للصورة التي عملت بعض اجهزة الاعلام عمدا او جهلا على ترسيخها لدى المتلقي، وزين بهذا الفعل انما تقدم نموذجاً جديداً لممفهوم الرعاية للبرامجية يتجاوز التقيلدية الباهته الى الشراكة في المشروعات الجادة المشرقة التي تظهر بلادنا كما نحب ان نراها مكتملة الاشراق بهية الصورة فاتنة التفاصيل ، وقد احسنت عدسات مصوري هذه الافلام الالتقاط فما تركوا موضوعاً للحسن في بلادي الا ووصلوا اليه ما اوقف زحفهم تقلبات الطبيعة في بلد تتباين فيه الجغرافيا وتترك اثرها على التربة وعلى البشرة ، ولا نالت من عزائهم بعد المسافات في وطن مساحته قاره وانسانه كنز من الثقافة والتراث.
يستحق من قام على امر مشروع ارض السمر بقيادة المخرج سيف الدين حسن ومن آزره من المبدعين الاحتفاء والتكريم على ما قدموه للوطن ولا استعبد على الرئيس البشير ان يرعى هذه المبادره فقد ظل التعريف اعلامياً بالسودان من مشاغله التي يبثها في النجوى والعلن مع ما يراه من تقصير بائن وخلل واضح يعترى المؤسسات التي من المفترض ان تقوم بهذا الدور وهو من صميم واجبها اما وقد قام به سيف وصحبه مشكورين فالاولى ان يكون جزاؤه واصحابه الاحسان.
مشروع ارض السمر تكاملت فيه ارادات وطنية خالصة من اصحاب الفكرة ومنفذيها ومن سارع الى رعايتها وقد جسدته القيادة العليا لشركة زين باهتمام ومتابعة منذ الميلاد الى مراحل لاحقة تاتي تباعا يستكمل بها المشروع الوصول الى غاياته ومراميه، كما تجلت روح المسؤولية الوطنية في القنوات التي منحت الافلام مساحة في البث تؤكد بها رسالتها القومية وعمق رؤيتها للعمل الوثائقي ، ومن اشراقات المبادرة هذا الالتفاف الرائع حولها من نخبة الصحافيين الذين افردوا مساحات مقدرة في التعرض للفكرة بالنقد الموضوعي او التبشير بهذا المشروع مما عبد الطريق امامه ليصل الى المتلقي ويتفاعل معه.
ان مثل هذه المشروعات الكبيرة لا يدعى عاقل انها نتاج جهده فقط وانما هي لبنه في صرح عظيم سبقهم اليه اخرون كان لهم في البدايات نصيب وفي الفكرة سهم منذ سلسلة السائحون وبطلها الشهيد عبد القادر على واصحابه ومؤسسة الفداء الرحم المبارك وسلسلة الطائر الطواف ومشروعات شركة امواج بقيادة الاستاذ محمد حاتم سليمان وكوكبة من الشباب الذين سطر التاريخ اعمالهم بفخر واعتزاز.
مثل هذه المشروعات سيسقط من ذاكرتها اناس نسميهم بسطاء وهم العظماء لولاهم لما كتب النجاح بعد توفيق المولى عز وجل قاموا بادوار محدودة ولكنها ذات اثر كبير منهم عمال وسائقين وقبلهم افراد من قوات نظامية وقيادات شعبية مثل هؤلاء لن يعتلوا منصة التكريم ذات يوم لكن صدقا كلما اطل شعار الفيلم من اي شاشة عندها سيحتفلون في فرح عظيم لا تشاركهم فيه الا مشاعرهم الصادقة.
ارض السمر …من زاوية اخري
