منذ اندلاع الاحتجاجات التي شهدتها العديد من المدن السودانية مؤخراً يلاحظ المراقب ودون كثير عناء ان الرئيس البشير هو من يقود الفعل المضاد لهذا الحراك ممسكاً بزمام المبادرة في المسارين الحكومي والحزبي مما عزز من فرضية ان الحزب يعاني موتاً سريراً ، وان تجاوزه كان فعلاً لازماً والا اهتزت اركان النظام وتهاوى فوق الجميع.
الرئيس البشير الذي بلغ من العمر 75 عاما انخرط في نشاط واسع منذ ان تفجرت الاحداث الحالية ففي حوالي شهر اي منذ 26 ديسمبر 2018م- 27 يناير 2019م تحرك بوتيرة متسارعة لاخماد جذوة الحراك فقام بعقد خمسة لقاءات مهمة مع : الجيش/الامن/ الشرطة/ الدعم السريع/ المهنيون من حزبه ، ثم ما لبث ان تحرك نحو الولايات فخاطب المؤيدين في خمسة ولايات :
الجزيرة/ الخرطوم / نيالا/ النيل الابيض / جنوب كردفان ، من جهة اخرى تورد الانباء ان قصر الضيافة مقر اقامة الرئيس قد استقبل وفود تمثلت في :
وفد الختمية/ علماء السودان/ وقد يكون هناك وفود حجبت اخبارها من الاعلام ،وفي مسار دبلوماسي اقليمي سجل زيارتين لقطر ومصر وهناك انباء عن زيارة محتملة للكويت ، ومن يحسب هذه الانشطة يجده انها تقارب فترة نصف الشهر مما يوضح كثافة البرنامج وتعدد مساراته ، ومما لا يخفى على فطنة القاريء ان هناك مقابلات واجتماعات واجتماعيات تدخل في دائرة النشاط الرئاسي كانت بالتوازي مع برنامج الرئيس لاحتواء الازمة. وسواء اختفلنا او اتفقنا في جدوى هذه اللقاءات وتقييم فكرة الحشود او نتائج الزيارات الخارجية ومكاسبها الا ان الثابت هو مقدرة الرئيس على التنقل في مربعات العمل السياسي بسرعة ودون الاعتماد على قيادات الحزب في اداء ادوارها وكفاءة الاجهزة والواجهات ، والمتامل لهذه الوقائع يجد ان الخلاصة لهذا المشهد تتبلور في :
أ/ البشير هو الحزب والحزب هو البشير
ب/ ضعف قيادة حزب المؤتمر الوطنى وعجزها التام عن مجاراة الاحداث
ج/ غياب الكوادر التي تتمتع بالكاريزما وقوة الحجة والافق السياسي
د/ واجهات الحزب التي يغدق على خزائنها بالملايين لم تكن في مستوى التوقعات
امام هذه الاستناجات يبدو الافق قاتماً فالحزب الذي بيده مقاليد الامور يقدم رئيسه في ساعات الشدة وينزوي مسؤوله الاول عن الاعلام ويتخفى مسؤوله السياسي ويكتفي بلقاءات خجوله مع اصدقاءه الاعلاميين ، ولا يظهر مسؤول الولايات الا في حالات نادرة وبنظرات شاردة ،هل هذا الحزب جدير بان نطمئن على بلادنا في ظل امساكه بزمام سلطتها؟ كيف لا يتحرك الشباب وقد انسد امامهم الافق وضيق عليهم في ارازقهم ونهب السارقون اموالهم ونهبوا حتى احلامهم المشروعة؟ كيف لا يمتليء الشارع غضباً ومن سرقوا مالنا وبددوا ثروتنا نراهم في مأمن ومسكن وراحة وايادى العدالة لا تطالهم؟ كيف لا يثور الشباب وقد تسلل الياس الى قلوبهم من تغيير واصلاح يمنحهم بطاقة الامل للعبور نحو المستقبل حتى نلحق بالامم المتطلعة للنهضة وما نبأ الزهرة
الجميلة عنكم ببعيد؟
حزب المؤتمر الوطني بهذه الحالة لن يكلف الرئيس البشير عناء تعبيد الطريق ليبقى مرشحه ويكسر لائحته ويمزق دستوره فاين هو الحزب؟ فالحزب انا وانا الحزب من البديل ومن يجرؤ على طرح فكرة البديل ؟ هكذا قال البشير والاجابة عنده: لا احد اذا فلتمضي سفينة الرئاسة لا تبالي بالرياح ولتغرق سفينة الانقاذ في الذاكرة وبحور النسيان، والرئيس البشير يدرك مدى هشاشة
حزبه فهو لا يرجو منهم عملاً غير الاحتشاد والتهليل للقرارات ، لقد اجتهد في اقصاء كل الاصوات التي لا تؤيد اعادة ترشحه مرة اخرى ،وقرب اليه الاصوات الداعية الى ترشحه بل ورفعهم الى مواقع عليا مكافاة على ولائهم وصدق دعهم ، لذلك يتحرك وحيداً مسرعا لاحتواء الازمة فهو يعلم انه يحصد غرسه فقد الت اليه كل الملفات وما بقى في الحزب من تاثير يرجى منه وقول يصغى اليه فالاحزاب قوتها في عزم اهلها متى ما خلص واشتد نالت مطالبها ووصلت حد غاياتها.
ان ابسط ما نتج عنه حراك الشباب الثوري انه فتح الاذهان لتتسلل الاسئلة الى مكامن الوعي اسئلة ملحة على شاكلة: هل الحزب الذي يقوده رئيسه ويقوم مقام مؤسساته جدير بالاتباع ؟ هل الحزب الذي تنزوي قياداته ساعات الازمة يستحق الانتماء ؟ هل الحزب الذي يخرج احد قادته ليهدد الناس بقطع الرقاب ثم لا يحاسب ولا تجمد عضويته جدير بالولاء؟
هل وهل….
حامد عثمان حامد